اسكت عما لا يعنيك وتكلم عما يعنيك

اسكت عما لا يعنيك وتكلم عما يعنيك

"من أسرع إلى الناس بما يكرهون رموه بما يعلمون وما لا يعلمون" ولهذا قيل "أسكت لأسلم وأنصت لأعلم" وقال عمرو بن العاص "الكلام كالدواء إذا قللت منه نفع وإذا أكثرت منه قتل".

ويبدو أن مقترح علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المعروف بزين العابدين كان وجيها وسديدا حين قال "السكوت عما لا يعنيك أمثل من الكلام فيه، والكلام فيما يعنيك خير من السكوت عنه"، وعلى هذا الأساس كانت هذه النصيحة مفيدة وذات جدوى ومريحة "إذا حُدِّثتم فعوا وإذا حَدَّثتم فأوجزوا فإن مع الإكثار يكون الإهذار". وأحسن المسار وأفضل السلوك وأسمى المواقف ما وصف به الله تعالى من الناس "الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه" "الزمر 17". وها هو عمر بن عبد العزيز الخليفة التقي والمشهور بالخليفة الخامس ينصحنا بنصيحة ثمينة لو نتبعها لضمنا لأنفسنا الأمن والطمأنينة وراحة البال، إذ قال "الأمور ثلاثة: أمر استبان رشده فاتبعه، وأمر استبان ضرره فاجتنبه، وأمر شكل عليك فتوقف عنده".

من الحكم "إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب" وقد قال الجاحظ "أحسن الكلام ما أغنى قليله عن كثيره"، وقد قيل "خير الكلام ما قل ودل" وقيل أيضا "ليس الحديث بعدد الكلام بل بمضمونه" وقال طاليس "قلة الكلام دليل على الإقتدار والإصابة". قال أحد الحكماء لولده "يا بني إذا افتخر الناس بحسن كلامهم فافتخر أنت بحسن صمتك". ومن أقوال الحكماء "الكلام في الخير كله أفضل من الصمت، والصمت في الشر كله أفضل من الكلام".

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الكلمة الطيبة صدقة" وفي جزء من حديت نبوي رواه البخاري وغيره عن أبي ذر "تبسمك في وجه أخيك صدقة" وفي المثل الياباني "كلمة طيبة واحدة يمكنها أن تدفئ ثلاثة شهور من الشتاء"، لكن كما قال عمر بن الخطاب "من كثر كلامه كثر سقطه ومن كثر سقطه قل حياؤه ومن قل حياؤه قل ورعه ومن قل ورعه مات قلبه".

ومن حكم التراث "إياك وما يعتذر منه" فقد قيل "رب كلمة سلبت نعمة" لأنه "ليس كل ما يسمع يقال ولا كل ما يقال يسمع"، ولهذا "كل امرئ يعرف بقوله ويوصف بفعله، فقل سديدا وافعل حميدا". قال عبد الله بن مسعود ناصحا "حدث الناس ما مالوا إليك بأسماعهم ولحظوك بأبصارهم، فإذا رأيت منهم فتورا فأمسك". ولهذا "الكلمة تحرك النفس والقدوة تقودها".

تلك هي مجموعة ذخائر من تراثنا الإسلامي والإنساني تضمنت تقنية علمية رفيعة وثقافة واسعة صالحة مصلحة، وتربية صحيحة سليمة فيها دعوة صريحة للتريث في الكلام وتجنب الجهر بما يكرهه الناس، حتى يحصل الخصام والصراع بين الناس، ونصائح بالسكوت عما لا يعني المتكلم، والكلام فيما يعنيه لعله فيه توضيح أو تصحيح لغلط أو مغالطة. ومن النصائح الالتزام باستيعاب الحديث والايجاز فيه حتى لا ينجر عن ذلك الإهذار والفوضى. والمستحسن والأفضل والمتميز، كما ذكر القرآن، الاستماع إلى القول واتباع أحسنه. وكما أفادنا عمر بن عبد العزيز: إذا اتضح لنا الرشد في أمر نتبعه، وإذا اتضح لنا الضرر في أمر نجتنبه، وإذا حصل إشكال وغموض نتوقف عنده حتى يتضح الأمر بمشيئة الله ويوريه لنا بما هو أصوب.

فالإيجاز في الكلام وسعة معاني القليل منه هو الأفضل لأن العبرة ليست بعدد الكلمات وإنما بمضمونها ومقاصدها ودلالاتها. والإنسان القادر والصائب في كلامه هو الذي قل كلامه ودل على المقصد. فالكلام في الخير يقينا هو الأفضل من الصمت والسكوت، أما الكلام في الشر فيقينا الصمت هو الأفضل؛ وكثرة الكلام تتسبب في وقوع المتكلم في عديد السقطات المخلة والمعابة، ومن كثرت عيوبه بسقطاته صار فاقدا للحياء، ومن فقد الحياء والحشمة تحرر من الورع، وكل من فقد الورع والخشية من الله تعالى فقد إنسانية الإنسان.

ولهذا على العاقل أن يتجنب ما لا يحمد عقباه ويذل نفسه بالاعتذار، وقد يفقد منافع بسبب كلمة بذيئة يتفوه بها فتؤذي، فإن "بعض الكلام أقطع من الحسام" ومن أمثال العرب "رب قول أشد من صول" يضرب عند الكلام يؤثر فيمن يواجه به. ونصيحة ابن مسعود هي من أفضل النصائح الذكية التي تحفظ المتكلم من الانزلاق في إخراج الكلمة التي لا يستسيغها السامع فتنقلب بالضرر على صاحبها. فالمتكلم عندما يجد قبولا واستحسانا من المستمعين من خلال انتباههم، لا بأس من المواصلة؛ أما إذا لاحظ الفتور فيحترم نفسه بنفسه خير له من أن ينفر الناس منه سواء بترك المكان والخروج أو بإحداث التشويش، إذا تجاهل الناس واستمر في مضايقتهم بما لا يستسيغون الاستماع إليه ولا يتذوقونه ولا يقبلونه.

ومن هنا وجب على المتكلم أن يبلغ مرتبة القدوة والخبرة والمران، وقد قيل "بالخبير ثق" و"الممارسة تعلم كل شيء" وفي المثل "لكل مقام مقال" وصدق من قال "إذا أسندت المناصب بغير محلها، ووضع الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب، فقل لي بربك كيف نتقدم وهذا حالنا؟"، وكما قال شارلز دكنز "الإنسان لا يعرف مدى قدرته إلا بعد التجربة" وليعلم الناس أن "التجارب ليست لها غاية، والعاقل يستزيد منها إلى غير نهاية"، وقيل "التجربة أم الحكمة" وقيل "العقل كالسيف والتجربة كالمِسَنّ"..

وخير ما أختم به، قول الله تعالى "ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء" "إبراهيم 24" وقوله سبحانه "ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار" "إبراهيم 26"، ومن نصيحة علي بن الحسين السابقة الذكر أستنتج: اسكت عما لا يعنيك وتكلم عما يعنيك.

جـزاكم الله خـيراا
ونور الله دربكم... لنشر كل مفيـد في هذا القسـم
لاتحرمونا جديدكم
اسكت عما لا يعنيك وتكلم عما يعنيك 14855_21263401767

هشام القن

اسعد الله قلبكم وامتعه بالخير دوماً
أسعدني كثيرا مروركم وتعطيركم هذه الصفحه
وردكم المفعم بالحب والعطاء