الوفاء بالعهد من الإيمان

الوفاء بالعهد من الإيمان

قال الله تعالى "وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا" "الإسراء 34" قيل ما ‏أدري ما العهد؟ فأجيب: هو كل ما عوهد الله عليه، كالوصية، "ألم أعهد ‏إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين" "يس 60" ‏وكالوفاء "وما وجدنا لأكثرهم من عهد" "الأعراف 102" وكل ما بين العباد ‏من المواثيق "الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق" "الرعد 20" ومن ‏معاني العهد الأمان "لا ينال عهدي الظالمين" "البقرة 124" وكذلك الحفاظ ‏ورعاية الحرمة، ففي الحديث النبوي أن عجوزا دخلت على النبي صلى الله ‏عليه وسلم فسأل بها وأحفى وقال "إنها كانت تأتينا أيام خديجة وإن حسن ‏العهد من الإيمان" وفي الحديث أيضا "إن كرم العهد من الإيمان".‏

‏وبما أن العهد ورد مقرونا بالوفاء، فمن الطبيعي أن نعرف أن الوفاء هو ‏ضد الغدر، فالوفي هو الذي يعطي الحق، ويأخذ الحق، فيتحرى في الكيل ‏والميزان "فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم" "الأعراف ‏‏85" ويلتزم بالوفاء في النذر والعقود قال تعالى "يوفون بالنذر" "الإنسان ‏‏7" وقال "يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود" "المائدة 1". من الفضائل التي ‏لا يمكن للمسلم الحقيقي أن يهملها احترام العقد المبرم والوفاء بالعهد الذي ‏أخذه على نفسه، فمن حقيقة الإيمان أن يكون المسلم عند كلمته التي قالها لا ‏ترجعه عنها رغبة ولا رهبة وأن يكون مقترنا بمبدإ شريف لا يميل عنه ولا ‏يساوم عليه. والإسلام يأمر باحترام العقود التي تسجل فيها الالتزامات ‏المالية وغيرها، ويأمر بإنفاذ الشروط التي تضمنتها، ففي الحديث النبوي ‏‏"المسلمون على شروطهم" روي عن أبي هريرة.‏

‏لا شك أن التحلي بفضيلة الثقة في كل الميادين وبالخصوص في ميدان ‏التجارة وشتى المعاملات الاقتصادية وفي ميدان الروابط العائلية وكرامة ‏العشرة الزوجية، يفرض احترام الحقوق المتبادلة، وتجنّب الاستخفاف ‏بالمعاملات أو الروابط التي توفر الثقة والاطمئنان بين الطرفين، يقول ‏الرسول صلى الله عليه وسلم مرشدا الأزواج إلى ضرورة حسن العشرة ‏الزوجية باعتبارها مظهرا من مظاهر الايمان "أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم ‏خلقا وألطفهم بأهله" وفي الحديث "أيما رجل تزوّج امرأة– على ما قلّ من ‏المهر أو كثر– ليس في نفسه أن يؤدي إليها حقها، خدعها، فمات ولم يؤد ‏إليها حقها لقي الله يوم القيامة وهو زان، وأيما رجل استدان دينا لا يريد أن ‏يؤدي إلى صاحبه حقه خدعه حتى أخذ ماله فمات ولم يؤد إليه دينه لقي الله ‏وهو سارق".‏

‏وقد حض القرآن على الوفاء، وخوّف من الغدر في عديد الآيات، وبين الله ‏عز وجل أن الغدر ينزع الثقة ويثير الفوضى ويمزّق الأواصر، ويردّ ‏الأقوياء ضعافا واهنين، قال تعالى "ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد ‏قوة أنكاثا، تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة، إنما ‏يبلوكم الله به وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون" "النحل 92". ‏

إن النفس الأمارة بالسوء تغري صاحبها لمزيد من الطمع، فيحل هذا ‏المغري عقدا أبرمه مع أخيه الانسان ينتظر ربحا أوفر من عقد آخر، وكذلك ‏الأمة قد تطرح معاهدة بينها وبين أمة أخرى، جريا وراء مصلحة أحظى ‏لديها، والاسلام يكره أن تداس الفضائل في سوق المنفعة العاجلة، ويكره أن ‏تنطوي دخائل الناس على هذه النيات المغشوشة ويوجب الشرف على الفرد ‏والجماعة حتى تصان العقود على الفقر والغنى، وعلى النصر والهزيمة.‏

‏لهذا يأمر الله أمرا جازما باحترام العهود، قال الله تعالى "ولا تشتروا بعهد ‏الله ثمنا قليلا إنما عند الله هو خير لكم إن كنتم تعلمون" "النحل 95" ومن ‏المسائل التي أكد الاسلام على الوفاء فيها هي الديون، لذلك حرمتها الشريعة ‏الاسلامية، إلا للحاجة القاهرة، فمن الورطات المخوفة أن يقترض المرء في ‏أمور يمكن الاستغناء عنها؛ بل لقد روي أن ذلك من الآثام التي يلحقها ‏القصاص، قال الرسول صلى الله عليه وسلم "يدعو الله بصاحب الدين يوم ‏القيامة حتى يوقف بين يديه فيقال: يا ابن آدم فيم أخذت هذا الدين؟ وفيم ‏ضيّعت حقوق الناس؟ فيقول: يا رب إنك تعلم أني أخذته فلم آكل، ولم ‏أشرب، ولم ألبس ولم أضيّع، ولكن أتى علي إما حرق وإما سرق وإما ‏وضيعة؛ يقول الله: صدق عبدي، أنا أحق من قضى عنك، فيدعو الله بشيء ‏فيضعه في كفة ميزانه، فترجح حسناته على سيئاته، فيدخل الجنة بفضل ‏رحمته" رواه ابن حنبل. ‏

فهو يؤكد أن الله يعذر من يضطر إلى الدين، لأزمات شداد، ومن يعجز عن ‏القضاء لمصائب جائحة، أما من ترمي به شهواته في معاص ويعسر عليه ‏القيام بها من ماله فيسارع إلى الاقتراض من غيره، دون اعتبار للنتائج ‏الوخيمة ولعجزه عن خلاص دينه، فهذا سارق جريء؛ فقد قال الرسول ‏عليه الصلاة والسلام" "من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن ‏أخذها يريد إتلافها أتلفه الله" رواه البخاري.‏

‏فالإسلام يريد أن يوفر للديون ضمانات شتى حتى تعتبر أموالا حية، وحتى ‏لا يحاول أحد الفرار من أداء الحق المكتوب، ففي رواية عن أبي قتادة قال ‏رجل: "يا رسول الله أرأيت إن قتلت في سبيل الله، أتكفر عني خطاياي؟" ‏فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "نعم إن قتلت وأنت صابر محتسب ‏مقبل غير مدبر" ثم قال "كيف قلت؟" فأعاد، قال: "نعم إلا الدين! فإن ‏جبريل أخبرني بذلك"...‏

إن هذه أخلاق يجب على الوالدين وفاء بالعهد أن يلقنوها عمليا لأبنائهم في ‏الزهرة وفي الفانوس الكهربائي وفي الحنفية، وفي الطريق وفي الحافلة فهذه ‏حق مشاع بين الجميع يجب الحفاظ عليه حتى لا تحرم المجموعة من ‏الانتفاع به. إن القرآن ذكر لنا أن الله أخذ على آدم أبي البشر عهدا مؤكدا ‏ألا يقرب الشجرة المحرمة لكن آدم ما لبث أن نسي وضعف "ولقد عهدنا ‏إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما" "طه 115" فضعف الذاكرة ‏وضعف العزيمة عائقان كثيفان عن الوفاء الواجب، والإنسان بحكم تجدد ‏الحوادث يتسبب في خفاء المعاليم الواضحة مما يستوجب التغلب على أمواج ‏النسيان بمذكر دائم، وما أكثر آيات القرآن التي توحي بضرورة الذكر ‏المطرد اليقظ، باعتباره عنصرا لازما للوفاء، لهذا ختمت آية العهد بعنصر ‏التذكير "وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون" "الأنعام 152".‏

‏إذن ذكر المرء الموثق المأخوذ عليه، يجب أن يعزم عزما يذلل الأهواء ‏الجامحة، ويهوّن الصعاب العارضة مهما عظمت المشقة فإن ثمن الوفاء قد ‏يكون فادحا يكلف المال أو الحياة أو الأحبة، ولكن شرف الأفراد والجماعات ‏منوط بفضيلة الوفاء مهما كلف الوفاء أصحابه من مغارم وتضحيات، ‏فالوفاء بالعهد لله وللناس وللأسرة وللوطن واجب، فكم من أهل التقوى دفعوا ‏ثمنا باهظا وفاء للعهد، وكم من أمم حافظت على ما أعطت من مواثيق ‏وبذلت دونها النفس والنفيس وكذلك كم من الجبناء والبخلاء ذهب ما ‏يحرصون عليه من حياة وثراء، وكم من أمم بغدرها ونكوصها وذهولها عن ‏حق الكلمة حكم عليها بالهلاك. وفي النهاية بقي الخلود للشرف والوفاء ‏وبقيت الأمجاد لأهل المروءة والصدق.‏

روي عن جابر "الجمال صواب القول بالحق والكمال حسن الفعال ‏بالصدق" وفي حديث أبي هريرة "عليك بالبر فإن صاحب البر يعجبه أن ‏يكون الناس بخير وفي خصب" فالوفاء بالعهد من الإيمان.‏

جـزاكم الله خـيراا
ونور الله دربكم... لنشر كل مفيـد في هذا القسـم
لاتحرمونا جديدكم
الوفاء بالعهد من الإيمان 14855_21263401767

هشام القن

اسعد الله قلبكم وامتعه بالخير دوماً
أسعدني كثيرا مروركم وتعطيركم هذه الصفحه
وردكم المفعم بالحب والعطاء

» ظاهرة ضعف الإيمان
» الوفاء من خلق المسلم