أخاف أن أتزوج من متدين!!

مشكلتي أنني كنت أدعو الله أن يرزقني بزوج متدين وملتزم حتى يأخذ بيدي للأحسن، وبالفعل تقدم لخطبتي أخو صديقتي وكان متدينا، ولكنني بعد خطوبتي وبعد فترة قلّ في نظري..

وكانت له بعض الآراء الخاطئة والزائدة عن حد الاعتدال، وكنت كلما رأيت منه شيئا لم أكن أقول لأهلي حتى لا يكرهوه، وأكتم في نفسي وأقول: ربما أني لم أعرفه حتى الآن لقلة زيارته لنا، أو لعدم مكالمته لي في التليفون.
وعندما فكرنا في كتب الكتاب لكي أتقرب منه في حدود شرعية رفض أن يدفع مؤخر الصداق، وقال إنه لم يكن موجودا أيام الرسول صلى الله عليه وسلم، وبالمحايلة من أهله قال "ماشي".. وفي حديثه مع أخي قال له بصراحة" "أنا مش هدفع كتير علشان لا قدر الله لو حصل حاجة أبقى أقدر أدفع"، ومن هنا زادت المشاكل بينه وبين أهلي وبدأت أشكو لهم ما كنت أرى منه وبعدها فسخنا الخطوبة.
ولكني الآن أصبحت أكره المتدينين وأخاف منهم، وأخاف أن أرزق بزوج متدين، وعلاقتي مع صديقتي معدومة وهي كانت أعز صديقاتي، وأنا الآن أشعر بحزن شديد ولا أدري ماذا أفعل؟ وأنا والله كنت أصبر كثيرا، ولقد علمت أنه كتب كتابه الآن بفتاة أخرى.

وسؤالي هو: كيف أتقرب من صديقتي مرة أخرى.. أم أبعد عنها للأبد؟.
وجزاكم الله كل خير.

ليست المشكلة في الدعاء بالمتدين، ولكن المشكلة في معيار التدين، أي من هو هذا المتدين؟ وما هي صفاته؟.. ذلك المعيار الذي اختل في عصرنا.. حتى اختلطت الأمور وتشوشت وتشوهت إلى هذه الصورة التي تعتبر رسالتك تجليًا واضحًا لها.. التدين أصبح عندنا طقوسًا تؤدى وأشكالا نتمسك بها.

أما حقيقة التدين وجوهره فقد ضاع أو غاب، ولذا يحدث ما يحدث، رغم أن الرسول الكريم الذي أوتي جوامع الكلم قالها مدوية في جملة من كلمتين: «الدين المعاملة»، ثم يؤكد على ذلك المعنى بقوة وبحسم في أكثر من موقف وحديث فيخبروه عمن تقوم الليل وتؤذي جيرانها، فتكون الإجابة المعجزة: «هي في النار».

هكذا بهذا الحسم الذي لا مواربة فيه، وكان قادرًا أن يقول: يحبط عملها.. لا تأخذ ثواب قيام الليل.. لا، هي في النار، حتى لا يجتهد أحد في مصير من يتمسك بطقوس الدين ومظاهره، ولا يتمسك بحقيقته، وهي أن يؤثر هذا الدين في معاملاته مع الناس، فقيام الليل لنفسك.
أما المعاملة فهي للآخرين، والدين يسمو بالناس حتى يتراحموا ويؤثر ذلك في علاقاتهم بالآخرين، ولتكتمل الصورة بشكل أقوى في حديث مومس بني إسرائيل التي سقت الكلب، ليغفر الله لها بصنيعها مع الكلب، وفهم سيدنا عمر بن الخطاب هذا المعنى جيدًا.

ولذا عندما ادعى أحدهم معرفة شخص مرشح للولاية، فسأله عمر: هل آكلته؟ هل عاملته بالدرهم والدينار؟ هل سافرت معه؟ فلما كانت الإجابة بالنفي قال له: لعلك رأيته في المسجد يصلي ويهز رأسه هكذا، اذهب فإنك لا تعرفه، إنها المعاملة، إنه أثر الصلاة ونتيجتها، إنه نهي الصلاة عن الفحشاء والمنكر، إنه نهي الصيام عن الزور، والكذب، وإلا فلا حاجة لله لصيامنا أو صلاتنا.
هذا هو معيار التدين والالتزام الحقيقي، والذي يغفل عنه الناس؛ ليطلق لفظ متدين وملتزم على كل من صلى أو صام، أو قرأ القرآن، ولا نجد أثرًا لهذه الصلاة، أو الصيام، أو القرآن في معاملاته مع الناس، وأولى الناس بالطبع هم أقرباؤه وأولى الأقرباء زوجته، أو من ستكون زوجته.
ادعي الله أن يرزقك زوجًا متدينًا حقيقيًّا، يخشى الله فيك، ويتقي الله في معاملاته.. لا يأخذ الدين وسيلة للتعنت في حقوق الناس تحت ادعاء أن الرسول لم يفعل، وكأنه مبعوث العناية الإلهية لشرح ما فعل الرسول، وما لم يفعل وربما هو في الحقيقة لا يجيد وضوءه.
كما يقولها البسطاء: "هناك متدين ياباني أصلي، ومتدين تايواني تقليد"، فحاذر من المتدين المغشوش.. ادعي الله أن يرزقك السمح إذا باع وإذا اشترى، وإذا اقتضى، فهذا هو الملتزم، أما غير ذلك فلن يغني وصفه لنفسه، أو وصف غيره له بذلك، ولذا قال الله {فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى}.
أما بالنسبة لصديقتك فاعتبريها أحد خسائر هذه التجربة الغير ناجحة التي مررت بها؛ حيث إن مجتمعنا لم يصل إلى النضج الإنساني الكافي الذي يسمح بالتفريق بين علاقتك بأخت خطيبك السابق كصديقة، وبين فشل علاقتك بأخيها، فهذا مستوى من الفهم والسمو لا يصل إليه الكثيرون.
لذا فلا داعي للتفكير في إعادة العلاقة معها، وافتحي صفحة جديدة في حياتك لصداقات جديدة ولفهم صحيح للدين، ولتصور ناضج لمن تختاريه شريكًا لحياتك.
بالطبع، التجربة التي مررتِ بها كانت قاسية، ولكن ليكن سؤالك هو: ماذا تعلمت من أجل المستقبل؟ ولا تسألي: لماذا حدث؟

» قصيدة : أنا لا أخاف البندقية