رسالة لفتاة مسرفة على نفسها
وصلني على بريدي رسالة لفتاة – لا تزال - مسرفة على نفسها بالذنوب ,
قد أهلكتها المعاصي فزاد حالها سوءاً , وكانت مستهينة بما هي ,
قائمة على ما يسخط الله تعالى , فبعثت لها بهذه الرسالة رجاء أن تنتفع بها .
ولأنها مبهمة , وعلى شاكلتها بعض الفتيات , رغبت بنشرها ليعم نفعها ,
وتكون نموذجاً لمن أراد أن ينصح من على شاكلتها .
أسأل الله أن ينفع بها , ويجعلها خالصة لوجهه .
فأكتب لك أختي الكريمة بعدما قرأت رسالتك , وتألمت للحالة التي
وصلتي لها .
أكتب لك بلسان المشفق عليك , المحب لك كل خير .
أكتب لك وأنا أنفض يدي للتو من غبار قبر , قبرنا صاحبه قبل قليل ,
وقفنا عنده قليلاً ثم تركناه وحيداً فريداً مرتهناً بعمله , أتدرين قبر من؟
أنه قبر أحد طلابي الذي كان عندي العام الماضي في الصف الثالث الثانوي "
وأظنك تكبرين منه " ولكنّ الموت لم يمهله لصغر سنه .
ولا أظنه سيمهلك أنت .
أكتب لك وقد قبرنا قبله بثلاثة أيام شاب في ريعان شبابه ,
أتدرين كم بين موته وزواجه ؟
أنها ثلاثون يوما فقط .
جاء ليشتري أغراض بيت الزوجية , ويفرح مع زوجته في عش طالما
رسم له في ذهنه أمنيات , وخطط لمستقبله مع زوجه وولده تخطيطات .
فيا الله ما أقرب الموت منا !
وما أعظم غفلتنا عنه !
أخيتي :
لئن كنت تعيشين سكرة الهوى , وظلام المعصية , وران على قلبك أثر الذنوب ,
وغفلت كما غفل غيرك عن ربه وعن مصيره المحتوم , فلعل رسالتي هذه
أن توقظ بقية الخير فيك التي أعلم بثباتها ورسوخها ولكنها الغفلة التي
سرعان ما تنقشع بالتذكرة .
وأعلم بطهارة نفسك التي تحب الله ورسوله وجنته , وتخاف من ناره ,
ولكنها سكرة الهوى التي تعيشينها وتزول بالصدق مع النفس وتذكر الدار الآخرة .
أخيتي
لئن كنت اغتررت بشبابك فهلا اعتبرت بهؤلاء الذين ماتوا بعمر الزهور
بعضهم أصغر منك .
ولئن اغتررت بجمالك , فهل تأمنين بقاء هذا الجمال ؟
إن لسعة نار واحدة , أو بخار حار قد تُذهب هذا الجمال , وتمحو تلك النضرة .
فلا تأمنين مفاجأة الأيام .
احذرك – أخيتي - نقمة الله وأنت مقيمةٌ على معصيته , فقد تجرأ قبلك
خلقاً على ربهم , وتمردوا على شرعه , فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر .
أين من كانوا يُحيون الليالي الحمراء , تجمعهم الكأس والغانية ,
ويرأسهم إبليس بجنده , وكيف جاءهم الموت على حين غرة ,
فأصبحت قصصهم تُذكر ليُتعظ بها ,
فهل يسرك أن تكوني موعظة لغيرك ؟
ولئن كنت ذكرت في رسالتك أحوال زميلاتك وأنهن واقعين فيما أنت
واقعة فيه من المعاصي , فلا تغتري بهم وبكثرة سوادهم - فالهالكون وربي كثير
- ولكل واحد صحيفة عمل , وله حساب على حده , وليس هذا عذراً لك بين يدي الله .
وبالمقابل انظري إلى من نجت من شهوات الدنيا , فكانت لها الحياة الطيبة
والذكر الجميل بين الناس , وقد وعدها الله بعد مماتها بجنات النعيم .
اغمضي عينيك الآن عندي حرفي هذا ....وتخيلي السنين تمضي عليك ,
وتخيلي أنه قد فات منها عشر سنوات أو عشرين وقد بلغت الأربعين
أو الخمسين فقول لي بربك كيف سيكون حالك عند هذا السن ؟
هل ستكونين مع زوج في سعادة وبين يديك أطفالك تسعدين فيهم ,
وتهنئين ببرهم ؟
هل ستحضين برجل يفخر بك ويعتز أنه ارتبط بمثلك ؟
هل سيكون تحت قدميك أبناء بررة يجهدون لأجل برك ؟
كيف بك لو علموا أن أمهم يوماً من الأيام كانت .....؟
أخيتي
إن الله يمهل ولا يهمل , فلا تغتري بستره عليك
لا تلجي يا أختاه إلى طريق الظلام فإنه نفق موحش , صار قبلك فيه أُناس
وظنوا أن فيه السعادة والأنس , فوجدوه سراباً خادعاً , وذاقوا مرارة
الجراءة على حدود الله , فعضوا أصابع الندم , وبكوا بدل الدمع دماً .
تمنوا أن لو لم تلدهم أمهاتهم وقد وصلوا إلى ما وصلوا إليه
, فأُعيذك بالله أن تصلي إلى ما وصلوا إليه .
أختاه
إن باب التوبة مفتوح , والكريم يبسط يده بالليل لك إن أسأت بالنهار ,
ويبسط يده بالنهار لك إن أسأت بالليل , فلا تحرمي نفسك هذا العطاء .
وربي إنه ليفرح بك وبغيرك من التائبين
فلا تيأسي ولا تقنطي من رحمته
فلو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتي الكريم – غفر لك –
ولو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استرحمتي الرحيم - صب عليك رحمته ,
وأفاض عليك من جوده -
فهلمي إلى رحمته , وسارعي إلى بابه جوده المفتوح .
اللهم إن أمتك بنت عبدك قد أقبلت إليك , يارب فاقبل توبتها ,
وامح خطيئتها , وأبدل سيئاتها حسنات . اللهم آمين .
كتبه / عادل بن عبد العزيز المحلاوي