كيف نستثمر الثورة تربوياًً؟ ـ د. حمدي شعيب
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]د. حمدي شعيب | 01-03-2011 00:19
(يجب أن نربي أبناءنا ليصبحوا كشباب مصر)...
كلمات ستحفر في ذاكرة أمتنا، وذكراة من سيسجلون تاريخ يوميات ثورتنا؛ وعندما يعيدون قراءة هذه الوصية أو النصيحة التي عبر بها الرئيس الأمريكي أوباما عن إعجابه وتمنياته للشباب الذي أشعل فتيل ثورة مصر!؟.
إنها الزهور الثورية الندية؛ التي دعت رئيس وزراء بريطانيا لأن يعلن هذه النصيحة الرائعة: (يجب أن ندرس الثورة المصرية في المدارس)!؟.
لقد أثرت ثورتنا على العالم؛ خاصة زعماء الدول الكبرى.
وأثرت وسيمتد تأثيرها على الشعوب والقادة؛ بل وكل المظلومين والمحرومين في العالم.
وستظل الثورة النموذج الراقي والحضاري والمثالي لكل الباحثين عن الحرية!.
إجابة ... لأسئلة خالدة:
وستظل ثورتنا هي الإجابة الرائعة والنموذجية لهذه الأسئلة الخالدة: كيف تشعل ثورة شعبية؟. كيف تحقق أحلامك وأحلام أمتك؟. كيف تنتزع حريتك؟. ما هي آليات إسقاط الطغاة؟. كيف تقاوم الظلم والفساد؟. ما هي آليات جعل الحرية هدفاً قومياً؟.
فهل بعد هذا الدور الثوري والتأثير الحضاري الراقي لثورتنا؛ سنهمل دور شبابنا وأبنائنا في أي مشاركة، أو خطة مستقبلية، أو أحداث حالية أو في مناقشة أي أمور تخص أسرنا ومؤسساتنا وأمتنا وجميع أحوالنا؟!.
آثار ... واستثمارات ... ورسائل!:
ولقد كان من أعظم تداعيات ثورتنا أنها أثرت على كل فرد منا؛ شخصياً وأسرياً ومجتمعياً.
وكان من أبرز الفئات المجتمعية التي أثرت وتأثرت بالثورة هم أبناؤنا.
وكان هناك الكثير من جوانب التأثير الثوري علينا وعلى أبنائنا؛ منها الإيجابي ومنها السلبي.
فكيف نجيد مهارات استثمار هذه الآثار لنعيد صياغة أنفسنا وأبنائنا إيجابياً وتربوياً؟.
أو ما هي الرسائل التربوية الإيجابية لآثار الثورة على أبنائنا؟:
1-الهدف القومي الواحد ... يصنع المعجزات:
لقد كان من العوامل التي أذهلتنا وأشعلت روح التحدي في أنفسنا جميعاً وحققت المعجزات؛ هو وجود هدف قومي واحد للشعب كله توحدنا عليه وصممنا عليه؛ وهو تغيير النظام!.
لقد وحد القوى والفئات والأديان وصهرها في بوتقة واحدة نسيت فيه خلافاتها، وتعالت على همومها الشخصية والفئوية.
فهل سنوجد لكل أسرة أو مؤسسة أو مجتمعنا هدفاً قومياً واحداً ولو لكل مرحلة لنحقق أهدافنا؟.
2-غير المناخ ... يتغير السلوك:
ولقد كان من العجيب أن نرى شبابنا وكل فئات مصرنا تسمو على صغائر وهفوات سلوكية كثيراً ما شوهت نفسها وشوهت مجتمعها وأحزنتنا عقوداً طويلة.
إنه الحصاد العظيم والأبرز لهذه الثورة الرائعة؛ وهو تحقيق مناخ الحرية.
إذن السلوك يتسامى ويتعالى إذا أوجدنا مناخاً حراً داخل أسرنا وفي علاقتنا داخل بيوتنا قبل أن نطالب بتحقيقه في مجتمعنا.
3-البعد الديني في وجدان مصر:
من الأمور الطيبة التي شرحت صدورنا؛ هي أن المظاهرات المليونية الحاشدة كانت غالباً ما تبدأ مسيرتها من المساجد؛ خاصة بعد صلاة الجمعة، وكان من الملاحظ هو الحرص على الصلوات في أثناء الاعتصامات بميدان التحرير، وكان حرص الأقباط على مزوالة قداسهم جنباً إلى جنب المسلمين، كانوا يتناوبون حماية بعضهم البعض أثناء الصلوات!؟.
وهو بعدٌ ثوري يرسل برسالة عظيمة حول مدى تجذر البعد الديني في وجدان شعبنا العظيم المصري، وأن التزامك بدينك لا يعني إنكارك لالتزام الآخرين بدينهم؛ والخلاصة أن التزام شعبنا بدينه هو التزام وسطي ومتوازن ويتميز باليسر وسعة الأفق؛ وهي قيمة لا يجب أن نهملها في بناء شخصية أبنائنا.
4-سنة الجهد البشري ... ركيزة تربوية:
في كل يوم كنا ـ وتقريباً كل أسرة مصرية ـ نواظب على الدعاء والقنوت في صلواتنا، وكذلك كانت أغلب المساجد تواظب على قنوت النوازل.
وهو أمر يجب أن نغرسه دوماً في نفوس أبنائنا؛ وهو أهمية دور (سنة الجهد البشري) في تحقيق آمالنا وبلوغ أهدافنا.
فهي سنة إلهية اجتماعية، وقاعدة قرآنية وقانون رباني عام ينطبق في كل زمان ومكان؛ وهو إذا أردت تحقيق هدفاً أو بلوغ غاية؛ فإن عليك أن تبذل قصارى جهدك؛ فتأخذ بكل الأسباب الأرضية المشروعة، ثم تدعو ربك ليكلل جهدك بتوفيقه وعونه وتسديده؛ تماماً كما صنع الحبيب صلى الله عليه وسلم في هجرته وفي غزواته خاصة بدر؛ وهو ما يحقق القاعدة القرآنية: "إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ". [الفاتحة5] و"وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ". [العنكبوت69]
5-الانتماء:
من الآثار الطيبة التي وجدناها تتشكل كآثار مذهلة للثورة؛ هو عودة روح الانتماء في نفوس المصريين؛ سواء على البعد المصري أو العربي أو الإسلامي أو الإنساني!؟.
ونقصد به استشعار معنى أنك مصري وعربي وإنسان؛ فتحب بلدك وتعتز بهويتك المصرية ـ والعربية والإنسانية ـ وتعشقها وتسترخص بذل النفس والأولاد والمال والجهد لرفعتها وللتضحية في سبيلها.
وهو أثر نتمنى أن نعتز بعودته ونحافظ عليه ليتعمق ويترسخ بعد سنوات من الهوان والضياع.
6-فقه جديد لمعنى الشهادة:
ومن الآثار والفوائد الطيبة؛ هو فهم معنى الشهادة؛ والذي ترسخ في عقلنا الباطن واللاواعي أنه مجرد موت على الجبهة في قتال العدو الخارجي؛ فعلمنا واقعياً وبطريقة لم نكن نتخيلها أن الشهادة لها معنى واسع ويشمل وجوهاً أخرى وأنواعاً كنا نخجل من ذكرها أو نخاف من إعلانها؛ وهي الموت في سبيل العرض والمال والحرية ومجابهة الطغاة والسلطان الجائر، والوقوف في وجه الباغي ولو كان مسلماً يصلي ويصوم ولكنه يطغي ويبغي ويضيق علي ويسجنني ويسلبني حريتي.
وفهمنا المعنى الراقي للجهاد الذي وردنا عن الحبيب صلى الله عليه وسلم: "أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وضع رجله في الغرز: أي الجهاد أفضل؟. قال: كلمة حق عند سلطان جائر". [مسند الإمام أحمد]
لذا فإننا نحتاج لعملية شاملة لنراجع فقهنا لديننا ولإنسانيتنا ولعبادتنا وعلاقتنا بالحق سبحانه ثم بالبشر.
7-الثمن الرفيع للحرية:
لقد أفزعنا وأحزننا جميعاً هذا العدد من الأرواح التي أزهقها زبانية الطاغية،؛ فذهبت إلى ربها شهيدة يتشرف المصريون بالتضحية بها غير آسف من أجل حريته ونجاح ثورته.
ونستطيع أن نستشعر تلك الرسالة الرفيعة؛ بأن الحرية قيمة غالية ورفع الظلم غاية تستحق التضحيات الباهظة مهراً لها.
8-أهمية الحوار:
وكم أسعدنا هذا الكم الهائل من الرموز الشبابية والوطنية التي أفرزتها؛ والتي تحاور وتناقش وتتحدث بطلاقة وثقة عن مطالبها.
وكم سرنا ان تقول إحدى الفتيات التي تقدمت صفوف الثورة؛ أن السبب في صمودها وقدرتها على الحوار هو الثقة التي زرعها فيها والديها.
وقال رمز آخر؛ أن التعايش اليومي في الميدان مع مختلف الفئات صقل فيه روح الحوار والمنافحة عن مطالب ثورتنا وعدم الانزلاق وراء الشبهات، وعدم الخوف من التهديدات، وعدم التراجع أمام الاتهامات التي حاربهم بها فلول نظام الطاغية.
ولهذا نستشعر قيمة دور التربية الأسرية في امتلاك مهارة الحوار وكذلك دور المعايشة مع الآخرين؛ في امتلاك مهارات احتواء الآراء المضادة والمغايرة من أجل تحقيق الهدف القومي الواحد.
وبعد؛ فهذه هي بعض الجوانب التربوية لآثار الثورة علينا وعلى أبنائنا